الفصائل الفلسطينية تتوافق في القاهرة... والتنفيذ رهين العقبات الإسرائيلية

الفصائل الفلسطينية تتوافق في القاهرة... والتنفيذ رهين العقبات الإسرائيلية
تقارير وحوارات

غزة / معتز شاهين:
في ظل تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، وما خلّفته من دمارٍ ومعاناةٍ إنسانية غير مسبوقة، اجتمعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة يومي 23 و24 أكتوبر، في محاولة لإعادة توحيد الموقف الوطني وتثبيت وقف إطلاق النار، وقد توصّلت الفصائل إلى اتفاقٍ مبدئي يهدف إلى دعم وقف العدوان الإسرائيلي، ويشمل انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، ورفع الحصار، وفتح المعابر، إضافةً إلى إطلاق خطةٍ لإعمار القطاع تحت إشراف لجنة فلسطينية مستقلة بالتعاون مع الدول العربية والدولية.
لكنّ الطريق إلى التنفيذ ما يزال مليئًا بالعقبات؛ إذ تبرز التحديات الإسرائيلية الميدانية والسياسية كأهمّ عائق أمام تطبيق بنود الاتفاق، في وقتٍ يترقّب فيه الشارع الفلسطيني بقلقٍ وأملٍ مدى قدرة هذه الجهود على إنهاء المعاناة وتحقيق المصالحة الوطنية.
وعبّر محللون سياسيون عن تشاؤمهم إزاء قدرة الفصائل على ترجمة هذه الاتفاقات على الأرض، مؤكدين أن الصعوبات والمعوقات الإسرائيلية أمام أي إدارة فلسطينية مستقلة تمثل عقبة كبيرة أمام أي خطة لإعادة الاستقرار إلى القطاع.
وأجمع هؤلاء، في أحاديث منفصلة مع "الاستقلال" أمس الأحد، على أن هناك فرصة محدودة يمكن للوسطاء، خاصة الولايات المتحدة، استثمارها للضغط على الاحتلال من أجل إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة مؤقتة بالتوازي مع مؤسسات دولية.
وتستأنف الفصائل الفلسطينية اجتماعاتها في القاهرة لمناقشة مستقبل إدارة قطاع غزة، خلال أقل من شهر. حيث عرضت مصر رؤيتها لما بعد الحرب، والتي تقضي بإدارة غزة عبر لجنة كفاءات بقي أعضاؤها في القطاع أثناء الحرب.
من جانبها، أبدت الفصائل موافقتها المبدئية على أسماء اللجنة، فيما أكدت مصر تحركها لدى واشنطن و(تل أبيب) لدعم رؤيتها.
تحديات التنفيذ
وأكد الكاتب والمحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة أن "إسرائيل" ترفض بشكل قاطع أي وجود فلسطيني رسمي داخل قطاع غزة، لكن هناك فرصة محدودة يمكن للوسطاء، وخصوصًا الولايات المتحدة، أن يستثمرونها للضغط من أجل إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة مؤقتة بالتوازي مع مؤسسات دولية.
وأوضح أبو رحمة أن هذا السيناريو، رغم صعوبته، قد يكون أفضل من غياب أي وجود فلسطيني كما ترغب (تل أبيب)، وقد يتيح صيغة انتقالية تُمنح فيها السلطة الفلسطينية دورًا محدودًا إلى جانب الأمم المتحدة وبعض الوكالات الإنسانية.
وأشار أبو رحمة لـ "الاستقلال" إلى أن اجتماع القاهرة الذي عُقد يومي 23–24 تشرين الأول/أكتوبر 2025 بين الفصائل الفلسطينية، جاء في وقت حرج فقدت فيه الأطراف الفلسطينية القدرة على التأثير الميداني، معتبرًا أن نتائج الاجتماع "لن تكون ذات تأثير ملموس على أرض الواقع في قطاع غزة".
وأضاف أن الاجتماع جاء في وقت خرجت فيه الأمور عن السيطرة تمامًا، موضحًا أن القرار في غزة بات متشابكًا ومعقدًا إلى حد كبير، بحيث لم يعد بالإمكان الحديث عن مخرجات سياسية يمكن ترجمتها عمليًا. وقال: "كان من المفترض أن تُرسم خارطة طريق فلسطينية قبل عامين أو على الأقل في بدايات الحرب، لتدارك المخاطر، لكن للأسف ما يحدث اليوم هو إدارة أزمة وليست إدارة مرحلة انتقالية."
وحول قدرة الفصائل الفلسطينية على رسم ملامح مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، شدد أبو رحمة على أن غياب القرار الفلسطيني الموحد يمثل العقبة الأكبر في طريق أي مشروع وطني جامع، لافتًا إلى أن المشهد الحالي يعكس "تفككًا سياسيًا وميدانيًا" يصعب تجاوزه دون توافق شامل وإرادة سياسية حقيقية.
ورغم تشاؤمه من الوضع الراهن، أعرب المحلل السياسي عن أمله في أن تشهد المرحلة المقبلة استقرارًا نسبيًا، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن التحديات الراهنة، رغم كونها المرحلة الأسهل نسبيًا، لا تزال محفوفة بالمخاطر.
رسالة إيجابية
وترى الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن إعلان الفصائل الفلسطينية عن اتفاق في القاهرة لتشكيل إدارة جديدة لقطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، يواجه عقبات كبرى على الأرض، أبرزها الرفض الإسرائيلي الصريح لأي دور فلسطيني مستقل في القطاع.
وأكدت عودة لـ "الاستقلال"، أمس الاحد، أن الاتفاق بين الفصائل يركز على تشكيل حكومة أو لجنة تكنوقراط فلسطينية لإدارة غزة، مع رفض الوصاية الدولية، وقبول وجود قوات أممية على الحدود، لكنه لا يعكس توافقًا كاملًا بين فتح وحماس، إذ اقتصرت المشاورات على رموز من السلطة الفلسطينية، ما يشير إلى استمرار الخلاف حول دور القوى الأمنية للسلطة في القطاع.
وفي هذا السياق، تقول: "إن إسرائيل لن تقبل بأي إدارة فلسطينية للقطاع، وتخطط بدلاً من ذلك لتشكيل "مجلس سلام" مدعوم بقوات دولية، وهو ما يعني أن أي اتفاق فلسطيني داخلي قد يصطدم برفض مباشر من تل أبيب".
وشددت عودة على أن البديل العملي للفلسطينيين هو العمل مع الدول العربية لتسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، مع احتمالية مشاركة الشرطة الفلسطينية المدربة في مصر، بالتعاون مع قوات عربية وإسلامية صديقة، لتفادي أي ذريعة إسرائيلية لإعادة الحرب.
وأضافت أن التفاهم الفلسطيني يرسل رسالة إيجابية بشأن الالتزام بوقف إطلاق النار، لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام أي خرق محتمل من الاحتلال الإسرائيلي. كما أشارت إلى أن الفلسطينيين يمكنهم الاستناد إلى القانون الدولي ومحكمة الجنايات الدولية، بالإضافة إلى القرارات الأممية، لضمان التزام الإدارة الأمريكية بوقف الحرب ورفض أي محاولات لضم الضفة الغربية.
وترى المحللة السياسية أن نجاح أي إدارة فلسطينية لغزة لن يعتمد فقط على التوافق الداخلي للفصائل، بل على قدرة الأطراف العربية والدولية على الضغط على "إسرائيل" لتقليل تدخلها المباشر في القطاع، وهو ما يبدو تحديًا كبيرًا في المدى القريب.

التعليقات : 0

إضافة تعليق